سامي عبد الرؤوف (دبي)

أكد الدكتور أحمد الحداد، مدير إدارة الإفتاء والبحوث بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي، كبير المفتين بدبي، أن التواصل الحضاري منهج إسلامي صنعه المسلمون، لافتاً إلى أن المسلمين في العصور السابقة كانوا منفتحين على الآخر بشكل كبير جداً، وقدموا علومهم وخدماتهم للعالم وأخذوا منهم، وظل ذلك لعصور طويلة.
وقال الحداد، في تصريح لـ «الاتحاد»: «نحن اليوم في عصور أحسن وأفضل وأكثر تقدماً، وبالتالي يجب أن نكون أكثر انفتاحاً، وأيضاً يجب على المسلمين في الغرب أن ينفتحوا على الناس، انفتاح محبة واندماج وعمل من أجل الوطن الذي يعيشون فيه».
وأضاف: «الإسلام دين الرحمة بالناس جميعاً، ويتضمن مبادئ إنسانية عالمية قادرة على إسعاد الإنسان وتحقيق آماله وحلّ مشكلاته، والمسلمون اليوم مدعوون إلى إنفاذ هذه المبادئ وتحقيقها على أرض الواقع بالتواصل مع الآخرين، لتأسيس عالم تسوده العدالة والسلم والتراحم، وفتح صفحة إيجابية في العلاقة الحضارية بين الأمم والشعوب على أسس من الاحترام المتبادل، والتعاون في إعمار الأرض، وتحقيق أمن الإنسان وكرامته».
وشدد الحداد على أن بعض المسلمين ساعدوا في تكوين نظرة سلبية لدى الغرب والعالم تجاه الإسلام على أنه دين تشدد وإرهاب، جراء تبنيهم أفكاراً وممارسات مغلوطة باسم الدين، لافتاً إلى وجود بعض من غير المسلمين حاولوا إقناع الغرب بذلك، لكن ممارسات المسيئين من المسلمين هي التي قدمت صورة مشوهة عن الإسلام وعموم المسلمين.
ولفت إلى أن الحوار الهادف والجاد بين العالم الإسلامي والغرب ضروري لتفهم الرسالة الحقيقية للإسلام التي حاول التطرف اختطافها وتزوير معاني نصوصها، مع التصدي لدعوات الكراهية والإقصاء والاستعلاء، وتخليص العالم من العنف والتطرف المضاد، وإقامة تحالفات مخلصة تعزز الفهم الصحيح للآخر، وتستثمر الشراكة معه في خير الإنسان.
وقال: «نحتاج أن نوصل رسالة الإسلام السامية للعالمين، لأن الحديث عن التواصل الحضاري، هو حديث عن الإسلام نفسه، فالإسلام دين عالمي لا يؤمن بالحواجز»، مشيراً إلى أن البشرية تحتاج إلى التواصل الحضاري اليوم أكثر من الأمس.
وأضاف: «كثير من الناس يتكلمون عن التواصل الحضاري، ولا يكاد يعرفون مفهومه، وبالتالي من المهم جداً أن نعاود طرح هذا المفهوم ونوضحه، ونعرفه للناس والمجتمعات، ونعمل على أحيائه، لا سيما أن الشعوب بينها تواصل، وعلينا كعلماء ومفكرين، أن نعزز هذا التواصل ونبحث عن حلول للمشكلات التي تواجه المجتمعات».
وشدد كبير المفتين بدبي، على أننا لم نخلق ليلغي بعضنا بعضاً، فالله خلقنا لنحقق مبدأ التعارف في ما بيننا، ثم يكون التمايز في الآخرة، وبالتالي أصحاب الديانات الأخرى نتعامل معهم بالبر والقسط، كما تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع يهود المدينة.
وأشار الحداد إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم، تواصل مع الملوك والأمراء وكتب لهم كتباً يدعوهم إلى الله عز وجل، وهذا المنهج النبوي استمر في العصور المتعاقبة، حتى الدولة العباسية التي انفتح الإسلام في عصرها على كل الثقافات، وحدثت طفرة في الترجمة وانتشرت الثقافة الإسلامية في مختلف أصقاع الأرض في مختلف العلوم، مثل الطيران والطب والفلك.
وأكد أن البشرية تقتبس اليوم من آثار الإسلام في تلك الفترة، فأخذ الغرب كل العلوم الإسلامية، ثم طورها، لافتاً إلى أن كل دول شرق آسيا، مثل إندونيسيا وماليزيا والفلبين وبروناي وتمثل ثلث تعداد العالمي الإسلامي، فتحت بالتواصل الحضاري، ومن خلال قيم المحبة والمعاملة الحسنة.
وقال كبير مفتي دبي: «هكذا كان الإسلام ينتشر، وكذلك يجب أن يكون اليوم، فالمسلمون اليوم معنيون بالإسهام في العطاء الإنساني في المجالات كافة، بما يخدم الإنسانية ويحقق سعادتها»، مشيداً باستحداث الإمارات وزارة للتسامح وقيام الدولة بدور كبير على صعيد التواصل الحضاري، عبر إنشاء مؤسسات تُعنى بذلك مثل مجلس حكماء المسلمين، ومنتدى تعزيز السلم، والمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، وغيرها كثير.